أستراليا وناورو.. جدل متجدد حول ترحيل اللاجئين وتداعياته الحقوقية

أستراليا وناورو.. جدل متجدد حول ترحيل اللاجئين وتداعياته الحقوقية
لاجئون مقرر ترحيلهم في أستراليا

تواجه أستراليا موجة جديدة من الانتقادات الحقوقية عقب توقيعها صفقة بقيمة 400 مليون دولار أسترالي مع ناورو، لترحيل 280 لاجئًا ومهاجرًا كانوا قد أُطلق سراحهم بموجب حكم تاريخي صادر عن المحكمة العليا في عام 2023.

القرار، الذي يهدف إلى إعادة العمل بسياسات الترحيل الخارجي، أعاد إلى الواجهة سجالًا طويل الأمد حول معاملة كانبيرا للمهاجرين، وما إذا كانت تتوافق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

منذ بداية العقد الأول من الألفية، اتبعت أستراليا سياسة تعرف بـ"الحل في الخارج"، حيث أُرسِل آلاف اللاجئين وطالبي اللجوء إلى مراكز احتجاز في جزر ناورو وبابوا غينيا الجديدة، هذه السياسة تعرضت لانتقادات حادة من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية بسبب الظروف غير الإنسانية في المخيمات، وما ترتب عليها من وفيات نتيجة الإهمال الطبي والانتحار، وفي نوفمبر 2023، اعتبرت المحكمة العليا الأسترالية أن الاحتجاز غير المحدود للمهاجرين غير قانوني، ما أجبر الحكومة على إطلاق سراح مئات الأشخاص، بينهم عديمو الجنسية وأولئك الذين لا يمكن إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

أسباب الخطة الجديدة

تسعى الحكومة الأسترالية -بحسب ما ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأربعاء- إلى إعادة السيطرة على ملف الهجرة، مدفوعة بضغوط سياسية داخلية وخوف من أن يؤدي إطلاق سراح مئات الأشخاص إلى موجة انتقادات من قطاعات ترى في ذلك تهديدًا أمنيًا. 

القوانين الجديدة التي أُقرت في 2024 منحت الحكومة صلاحيات واسعة لعقد اتفاقيات مع دول أخرى لقبول اللاجئين والمهاجرين، حتى دون توفير ضمانات كافية تمنع تعرضهم للأذى أو الإعادة القسرية إلى دول يواجهون فيها الاضطهاد.

ردود فعل المنظمات الحقوقية

حذّرت هيومن رايتس ووتش من أن خطة الترحيل إلى ناورو ستعيد إنتاج "كارثة إنسانية" سبق أن وثقتها أبحاثها خلال العقد الماضي، مشيرة إلى حالات موثقة من إساءة المعاملة والإهمال الطبي والانتحار بين المرحلين سابقًا، واعتبرت منظمة العفو الدولية أن الاتفاق "يُحوّل حقوق الإنسان إلى ورقة مساومة مالية"، بينما وصفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الخطة بأنها "انتهاك واضح لمبدأ عدم الإعادة القسرية"، الذي يعد ركيزة في القانون الدولي للاجئين.

التحذيرات القانونية

أثارت مفوضة حقوق الإنسان في أستراليا، لورين فينلي، قلقًا بالغًا بشأن مشروع قانون الهجرة المعدل، الذي ينص صراحة على أن "قواعد العدالة الطبيعية لا تنطبق" في حالات الترحيل بموجب اتفاقيات مع دول أجنبية، ورأت أن ذلك يهدد أحد أهم الضمانات القانونية الأساسية في المجتمع العادل، وهو الحق في أن يُسمع صوت الفرد، في فبراير 2025، تقدّم أحد المستهدفين بالترحيل بشكوى رسمية إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، التي طلبت من أستراليا وقف ترحيله ريثما تتم مراجعة القضية، مؤكدة أن الخطوة قد تنتهك التزامات الدولة بعدم تعريض أي شخص لخطر الموت أو سوء المعاملة.

التداعيات الإنسانية

تشير تجارب العقد الماضي إلى أن الترحيل إلى ناورو يرتبط بآثار نفسية وصحية كارثية؛ تقارير طبية سابقة وثقت معدلات مرتفعة من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة بين المرحلين، بمن فيهم الأطفال، ووفقًا لإحصاءات منظمات المجتمع المدني، فقد توفي أكثر من 12 شخصًا في مراكز الاحتجاز في ناورو خلال العقد الماضي نتيجة الإهمال الطبي أو الانتحار، وإعادة تكرار التجربة مع مئات الأشخاص الجدد ينذر بمفاقمة الأضرار الإنسانية، في وقت يشهد فيه العالم دعوات متزايدة لحماية الفئات المستضعفة لا تعريضها لمزيد من المخاطر.

الموقف الأممي والدولي

أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بيانًا حثت فيه أستراليا على الالتزام بقرار المحكمة العليا وضمان بدائل إنسانية تحترم حقوق المهاجرين، كما دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق المهاجرين إلى فتح قنوات لجوء قانونية وشفافة بدلاً من اللجوء إلى سياسات الردع القسري، على الصعيد الإقليمي، أعربت منظمات حقوقية في نيوزيلندا والفلبين عن مخاوفها من أن تمهد هذه الخطة الطريق أمام دول أخرى لاعتماد سياسات مماثلة، ما قد يفاقم أزمة اللجوء في منطقة المحيط الهادئ.

الأبعاد الاقتصادية والسياسية

رغم تبرير الحكومة الأسترالية بأن الصفقة مع ناورو ستكلف 400 مليون دولار أسترالي فقط، اعتبر خبراء اقتصاديون أن التكلفة الحقيقية تتجاوز بكثير كلفة توفير حلول إنسانية بديلة داخل الأراضي الأسترالية، علاوة على ذلك، يرى مراقبون أن هذه السياسة تهدف إلى إرسال رسالة ردع إلى المهاجرين المحتملين أكثر من كونها حلًا عمليًا للأشخاص المتأثرين مباشرة.

تداعيات على صورة أستراليا

تسويق أستراليا لنفسها كمدافع عن حقوق الإنسان يتعرض لانتقادات واسعة في ضوء هذه الخطة، ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش وصفت التناقض بين خطاب كانبيرا في المحافل الدولية وسياساتها تجاه اللاجئين بأنه "مقلق"، فيما أشار خبراء القانون الدولي إلى أن استمرار هذه السياسة قد يعرّض الدولة لانتقادات حادة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

تشير جميع المؤشرات إلى أن خطة أستراليا لترحيل اللاجئين والمهاجرين إلى ناورو تمثل امتدادًا لسياسات عقابية سابقة أثبتت فشلها الإنساني والقانوني. وبينما تتصاعد التحذيرات المحلية والدولية، يبقى السؤال الأبرز حول ما إذا كانت الحكومة الأسترالية ستعيد النظر في هذه السياسة، وتبحث عن حلول أكثر إنسانية تتوافق مع التزاماتها الدولية، أم أنها ستواصل السير في مسار يهدد حياة مئات الأشخاص ويعمّق من أزمة حقوق الإنسان في المنطقة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية